مراة ومنوعات

الدكروري يكتب عن أمين الأمة مع أمير المؤمنين

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إذا كان الذين لا يعملون المعاصي أكثر من الذين يعملونها فلم يمنعوهم عنها عمهم العذاب، لأن من لم يعمل إذا كانوا أكثر ممن يعمل كانوا قادرين على تغيير المنكر غالبا، فتركهم له رضا به، فإن العقاب يشمل الجميع الصالح والطالح لأن الصالح لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، فعمه العقاب في الدنيا والعقاب الدنيوي الذي ينزل بالجميع لا يعني الاشتراك في العذاب في الآخرة، بل كل يحاسب عن عمله، فعن أم سلمة رضي الله عنها، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم” إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله بعذاب من عنده فقلت يا رسول الله أما فيهِم صالحون ؟ قال بلَى يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان” رواه احمد.
وعندما ذهب أمير المؤمنين ليستلم مفاتيح بيت المقدس، فقد حاول أمراء الجيش أن يحسّنوا من هيئته المتواضعة أمام الأعداء ولكن مَن يقدر على مَن؟ أيقدرون على عمر الذي كان كبير الشياطين يخافه، ويسلك فجّا غير فجّه؟ فقال له أمين الأمة أبو عبيدة رضي الله عنه “يا أمير المؤمنين، لو ألقيت عنك هذا الصوف، ولبست البياض من الثياب، لكان أهيب لك في قلوب هؤلاء الكفار، فقال عمر رضي الله عنه “لا أحب أن أعوّد نفسي ما لم تعتده، فعليكم معشر المسلمين بالقصد” وباءت محاولة أبي عبيدة بالفشل فحاول يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فقال “يا أمير المؤمنين، إنا في بلد الخصب والدعة، والسعر عندنا بحمد الله رخيص، والخير عندنا كثير من الأموال والدواب والعيش الرفيع.
وحال المسلمين كما تحب، فالبس ثيابا بيضا واكسها الناس، واركب الخيل واحمل الناس عليها فإنه أعظم لك في عيون الكفار، وألقي عنك هذا الصوف فإنه إذا رآك العدو على هذه الحال ازدراك، فقال عمر رضي الله عنه “يا يزيد ما أريد أن أتزيّن للناس بما يشينني عند الله عز وجل ولا أريد أن يعظم أمري عند الناس، ويصغر عند الله عز وجل فلا ترادني بعدها في شيء من هذا الكلام” وواصل الفاروق عمر رضي الله عنه مسيره إلى بيت المقدس على تلك الحال المتواضعة فعرضت له مخاضة طين فنزل عن بعيره، ونزع نعليه فأمسكها بيد وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة عامر بن الجراح ” قد صنعت اليوم صُنعا عظيما عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، قال فصكّ في صدره وقال.
أولو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقلّ الناس، فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيرة يذلكم الله” فلما بلغ الفاروق عمر بيت المقدس خرج إليه بطريركها صفرونيوس وكتب عمر رضي الله عنه لهم الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسم وصلبانهم، ولا ينتقص شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم في مقابل أن يعطوا الجزية للمسلمين، وسلم البطريرك مفاتيح القدس للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم بَكى البطريرك فقال له عمر “لا تحزن، هوّن عليك، فالدنيا دواليك، يوم لك ويوم عليك” فقال البطريرك “أظننتني على ضياع الملك بكيت، والله ما لهذا بكيت، وإنما بكيت لما أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية، ترق ولا تنقطع، فدولة الظلم ساعة،
ودولة العدل إلى قيام الساعة، وكنت حسبتها دولة فاتحين تمر ثم تنقرض مع السنين” وتم الفتح ودخل الفاروق عمر بيت المقدس من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وصلى فيه مستقبلا القبلة، وجعل يزيح بردائه الأقذار التي رماها النصارى في قبلته، ولما رأى المسلمون فعل الفاروق عمر أخذوا في تنظيف المسجد من أقذار النصارى، ثم بعد الفتح عاد رضي الله عنه إلى المدينة على ذات الجمل الذي قدم عليه، وعلى نفس الهيئة التي كان عليها قبل الفتح لأن اهتمامه رضي الله عنه ما كان بالشكليات والمظاهر، وإنما كان بأصول الشيء ومعانيه.
اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار