مراة ومنوعات

الدكروري يكتب عن القدوم على بيت المقدس

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد علق الله عز وجل البركة في الرزق ورغد العيش وتحقيق الأمن الغذائي بالإيمان والتقوى، وإن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره، ويقول ابن كثير بأنه يخبر تعالى عن تمام عدله، وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته، أهلكهم بسبب ذنوبهم، وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم من جنات وعيون، وزروع وكنوز ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، وما ظلمهم الله في ذلك، بل كانوا هم الظالمين، فغيروا ما بأنفسكم قبل أن يعمكم عقاب الله تعالى.

فعندما تولي خليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقضى على الردّة، وأرسى دعائم الملة، ثم انسابت جيوشه الفاتحة صوب الشام تحقيقا للبشارة، ومات الصديق رضي الله عنه وجيوش الإسلام قاب قوسين أو أدنى من تحقيق البشارة، وخلفه الفاروق عمر بن الخطاب، وجيوش الحق تواصل فتحها حتى بلغت بيت المقدس، فحاصر المسلمون أهلها، ثم تصالحوا بعد الحصار، وقيل بعد القتال على أن يقدم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة ليباشر الصلح بنفسه، لما علموا من سيرته وعدله، فكتب أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخبره بشرط أهل إيلياء، فشاور الفاروق عمر أصحابه في الخروج، ثم انشرح صدره إلى القدوم على بيت المقدس.

واستخلف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين على المدينة، وسار إلى حيث مدينة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكتب إلى أمراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية، وفي رواية أخرى أنه وافاهم عند بيت المقدس، فلما بلغ الجابية من أعمال الشام نزل بها، وخطب خطبة بليغة طويلة مشهورة كان منها قوله رضي الله عنه “أيها الناس، أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم، واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب، ولا بينه وبين الله هوادة، فمن أراد لحب وجه الجنة، أي طريقها فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ” إلي آخر خطبته البليغة.

وجاءه رجل من يهود دمشق فقال له “السلام عليك يا فاروق، أنت صاحب إيلياء لا والله لا ترجع حتى يفتح الله إيلياء” وصالح الفاروق عمر بن الخطاب أهل الجابية ثم سار وقادته إلى بيت المقدس، وكان رضي الله عنه في غاية التواضع والاستكانة والذلة لله رب العالمين، وقال أبو الغادية المزني “قدم علينا عمر الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، وطاؤه فرو كبش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شملة أو نمرة محشوة ليفا وهي وسادته، عليه قميص قد انخرق بعضه، ودسم جيبه” وهكذا نقلوا في وصف مركبه وملبسه، وهيئته وعُدته، ولو أراد رضي الله عنه للبس الحرير، ومشى على الديباج، وركب أصيلات الخيل.

ولو شاء لحمل معه المتاع الكثير، ولأحاطت به المراكب، وحفت به المواكب ولكنه رضي الله عنه علم قيمة الدنيا فأعطاها مستحقها، وعلم قدر الآخرة ففرغ قلبه لها، وعمل عملها، وسعى لها سعيها.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار