مراة ومنوعات

الدكروري يكتب عن الذكر وتأثيرة علي القلب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إنه لا يمكن أن يكون الذكر مجرد حركات سهلة باللسان ليس لها أي أثر على القلب ومن ثم على كيان صاحبها وواقعه، فإن الذي يقول لا إله إلا الله يرددها لسانه وقلبه مستحضرا للمعنى المراد من هذه الكلمة وهو الاقرار بالعبودية الخالصة لله وحده، الذي يقولها بهذه الصورة يحدث في قلبه وكيانه انخلاع من عبودية ما سوى الله، ثم تنجذب روحه إلى السماء، إلى الله تبارك وتعالى محبة واتباعا، وهل يتصور أن من يحدث له ذلك يطيع ما سوى الله في صغيرة أو كبيرة، أم يتبع هواه أو شهوته، أم يقع في قلبه خوف أو وجل من تلك الآلهة المزعومة، أو أي حب لها، وهل يتصور أن من تتوق روحه إلى الله، فيملأ حب الله شغاف قلبه ويتغلغل في جوانحه، هل له أن يعصيه، أو يتوانى في طاعته والتقرب إليه والتذلل بين يديه، لايتصور ذلك قطعا.

فلأجل هذا كانت هذه الكلمة نجاة لصاحبها، إذا لم تصدر منه باللسان فقط، بل صاحبها حضور القلب وانقياد النفس، وذلك لايكون إلا بمعرفة معناها، ومن ثم تأتي شروطها الباقية، ومن هنا أيضا كان من حقق كلمة التوحيد تحقيقا كاملا، يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، لأن من حققها بتلك الصورة، فإنه ولاريب يطيع ربه عز وجل طاعة لا يمكن معها أن تتجاوز سيئاته حسناته، فمن ثم يدخل الجنة بتلك الصورة المذكورة في الحديث، وتأمل قول الله عز وجل ” إن فى خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب” فمن أولئك؟ فقال تعالى ” الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم” فلهذا كان من صفاتهم كما قال تعالى ” ويتفكرون فى خلق السموات والأرض” فتكون النتيجة أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء وهو من أعلى وأجل صور العبادةز

وقد ملأ خوف الله قلوبهم فشعروا بحاجتهم إلى مغفرة خالقهم وعفوه، فقالوا ” ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار” فالذكر يكون بالقلب قبل أن يكون مجرد نطق باللسان، وذكر القلب هذا يحدث في القلب والنفس والعقل، من أسرار العبودية وأحوالها ما يجعل القلب مراقبا لله عز وجل، طيلة ذكره لله، وتلك أعلى مراتب العبودية، إنها مرتبة الإحسان، أى أن تعبد الله كأنك تراه، والمحسن هو المراقب لله في كل حين ووقت، في كل خاطرة وسانحة يبحث عن مرضاة الله في كل فعلة وقولة، بل في كل إرادة أو التفاتة تحدث من قلبه، فخلاصة ما تقدم بعبارة سريعة مختصرة وهى أن حقيقة الإيمان التي أمرنا بها أن تتواطأ عبادة القلب مع عبادة الجوارح، فتتحقق عبودية القلب مع عبودية الجوارح، فنحسن العبادة باطناً كما نحسنها ظاهرا.

فإذا تبينت أهمية ما تقدم، فلسائل أن يسأل ما هي الوسائل التي تقود إلى إحسان العبادة باطنا، أو بعبارة أخرى كيف نبعث الروح في عبادتنا، ونجنبها الموت؟ وهو أن الوسائل كثيرة ومتنوعة، فمنها هو حضور القلب قبل أو عند البدء بالعبادة، والفقهاء يتحدثون عن النية قبل الشروع في العمل ويعنون بها النية التي تميز العمل نفسه، كصلاة الظهر عن صلاة العصر، وصوم النافلة عن صوم الفرض، وما إلى ذلك، ويتحدث أرباب التوحيد وأهل السلوك عن النية التي تميز المعمول له، وهو المقصود بهذه العبادة، وإن تحديث القلب وتذكيره بالتعبد لله عز وجل سواء أكان ذلك خارج العبادة أو حتى في أثنائها إن أمكن.

وكثير من الناس بل ومن بعض طلاب العلم وغيرهم من أهل الخير يغفلون عن هذا كثيرا، وهذا التحديث والتذكير نهر يمد القلب باللين والرقة والخشوع، فإذا شح ماؤه جف القلب ويبس ثم قسا، نعوذ بالله من ذلك.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار