المقالات

الدكروري يكتب عن الشك الذي يقض المضاجع

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ذم الله تعالي الشك والريب وكلاهما بمعنى متقارب لأن الريب ينبعث من قلق النفس واضطرابها فيتبع ذلك من ضعف الإيمان في النفوس وعدم اليقين بالله واليوم الآخر الشيء الكثير وذكر الله عز وجل أنه لا يهدي أهل الشك والريب ولا يوفقهم للاستقامة والثبات، وإن الشك والريب ذكرهما الله عز وجل في كل الآيات في القرآن الكريم مقترنا بأهل الكفر والطغيان، وبيّن أنهم أهل شك وريب، فقال عنهم أنهم قالوا لأنبيائهم كما جاء في سورة هود “ولقد آتينا موسي الكتاب فاختلف فيه ولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب” وقال تعالي أيضا ” وإننا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب” فهذه الآيات كلها وصف لذلك النوع من الشك الذي يقض المضاجع، ويجعل أصحابه في حيرة من أمرهم، ويوقعهم في اضطراب وقلق، وكل ذلك متسق مع المقام الذي يتحدث عن أولئك المشككين.

الغارقين في الحيرة، والواقعين في قلق واضطراب من أنفسهم، وهو حال أغلب المشركين والكفار لذلك جمعت الآيات بين الأمرين الشك والريب لأنهم جمعوا بين الأمرين الشك الذي يدل على التردد وعدم اليقين، والريب الدال على التخبط والاضطراب والتكذيب والاتهام، بل لو لاحظتم في القرآن لوجدتم أن الله عز وجل يؤكد على المسائل العقدية الكبرى التي يجب الإيمان واليقين بها بقوله تعالي ” لا ريب فيه” فحينما حدثنا في بداية سورة البقرة عن القرآن قال ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين” وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال بعثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبّحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فقال لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أقال لا إله إلا الله، فقتلته؟ “

قال قلت يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، فقال ” أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ ” فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ، ولعلنا نقترب من بيوت النبوة لنرى بعض المشاهد التي دونتها كتب السنة، وحفظت لنا شيئا من عشرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته ليتضح لنا بعد ذلك عظمة الخُلق، وبساطة الحياة، ومثالية القوامة، وأول إطلالة نقترب منها هي مع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حينما تواردت عليها سؤالات الناس، ماذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته عندك؟ فأجابت رضي الله عنها “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلا من رجالكم إلا انه كان ضحّاكا بسّاما، كان يكون في مهنة أهله يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة”

فإن هذه الكلمات المعدودات هي وصف وجيز بليغ فما أحوجنا أن نتمثل هذا الخُلق مع أهلنا في منازلنا في هذه الأيام، فيجلس النبي صلى الله عيه وسلم في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها، يتبادلان الحديث في جو هادي مفعم بالمودة فلم يفجأهم إلا طرقات الباب، وإذا هو خادم أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها يحمل بين يديه طعاما صنعته زينب للنبي صلى الله عليه وسلم فتحركت في قلب عائشة غيرتها، واضطرب في كوامنها ما تجده كل امرأة بفطرتها وغريزتها تجاه ضرّتها، فتحركت في قلب عائشة غيرتها، واضطرب في كوامنها ما تجده كل امرأة بفطرتها وغريزتها تجاه ضرّتها، فأخذت الصفحة من يد الخادم فضربتها بحجر فكسرتها نصفين، وتناثر الطعام يمينا وشمالا، فماذا صنع نبينا وقدوتنا صلى الله عله وسلم أمام هذا المنظر؟

هل شتمها ؟ هل ضربها ؟ هل عاقبها ووبخها ؟ هل طلقها ؟ لا لم يقل حينها شيئا من ذلك، إنما تعامل مع هذا الخطأ بالأسلوب الأمثل الذي ليس فوقه علاج، راعى في المرأة غيرتها، فجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يجمع بيده الكريمة الطعام من هنا وهنا، وهو يقول ” غارت أمكم، غارت أمكم” ثم وضع الطعام في صفحة السيدة عائشة السليمة، وأهداها للخادم، وأبقى الصفحة المكسورة عند عائشة وهكذا انتهت المشكلة وعُولج الخطأ بكل هدوء.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار